السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غريبٌ أمر هذا الوطن، وكما قال الإمام الشهيد "نحن مصريون بهذه البقعة"، فمهما يفعل فينا فنحن نحبه، وأذكر أني قرأت في أحد المدونات post يتحدث عن هذا الأمر، ويقول "حيَّرتني أيها الوطن".
ولكن الحقيقة أن ذلك منطقيٌّ، فنحن نحب الوطن الطفولة والوطن الذكريات والوطن الأهل والأقارب والوطن الإخوان والوطن الاستقرار، وذلك لا يمنع أن نكره الفاسدين القائمين على هذا الوطن، بل إن ذلك من صميم حبنا له وحرصنا عليه وعلى مستقبله. نحن نحزن لما نرى عليه أمر وطننا، لأننا نعلم أن ثرواته تستطيع أن تحقق له الكثير وترتقي به في أعلى المستويات ولكنها منهوبة، نحن نحزن عندما نتذكر أن وطننا هو الذي أطعم العالم كله في زمن سيدنا يوسُف، نحن نحزن لما نراه من سلوكيات همجية ولا أخلاقية من بعض أفراد شعبنا نظراً لضغط الحياة الذي يعيشه هؤلاء الأفراد وسعيهم المؤلم المجهِد في طلب الرزق لتحقيق الكفاف لأولادهم ولانعدام وجود نظام إداري صارم يستطيع المواطن فيه أن يحصل على حقه أو ينتهي من إجرائاته الإدارية الرسمية في بلده، بل في كل نوع من أنواع الإجراءات تقريباً يجب أن تشعر بالمهانة وضياع الوقت والرشوة وعشوائية الإجرائات!!
وذلك الحزن هو من صميم حبنا لهذا الشعب وهذا الوطن الذي نتمنى له الرفعة والتقدم.
وبالرغم من كل ذلك فلقد شعرت بالمهانة وأنا أنظر للمصريين في الطائرة وهم عائدون إلى السعودية التي يعملون بها ووضعهم المؤلم، معظمهم أسر بدون رجل، لأنه في الغالب لم يستطع أن يترك العمل ويصاحبهم في الأجازة أو على الأقل لم يستطع أن يقضي كل الأجازة وسبقهم للعودة أو ما إلى ذلك من ظروف.
وتخيل معي، الأم بأطفال منهم الرضيع المحمول ومنهم الذي لا يكف عن الحركة واللعب (3-7 سنوات) وهي بمفردها في الطائرة، والضوضاء التي يسببها ذلك كله، ونزولهم للمطار ووقوفهم في الطوابير والحزن الذي يعتريهم لتركهم الأهل والوطن، وكل الحديث في الطائرة: "هنعمل إيه...لازم ننزل أجازة ومفيش شغل في البلد فلازم نرجع"، أو حوار كذلك مثلاً: "بقى لك أد إيه في الرياض...واللهِ 10 سنوات أو 20 سنة...ياااه...خلاص اتعودت مش قادر أتحمل العيشة في مصر...أنا باتبهدل لما أنزل أجازة..."، وكلهم يعيشون في الغربة للعمل ولجمع المال (وسأتحدث عن ذلك لاحقاً) فقط تقريباً.
حمدتُ الله أن رزقني في بلدي وأن سفري مؤقت، وأدعو الله أن يجعل حالي كذلك دائماً. فقد عشتُ في بيتٍ يرفض السفر واقتنعت أن حياةً براتب يساوي ثلث أو ربع ما قد أحصل عليه مع السفر ولكن في وسط أهلي وبلدي وباستقرار هو أفضل بكثير من ذلك السفر الذي أفقد فيه استقراري ويظل بالي مشغولاً بميعاد العودة وهل هي ممكنة وماذا سأفعل حين أعود وكيف سأبدأ التعود على بلدي من جديد، وهل سيستطيع ابنائي الذين تعودوا على رفاهية الخارج (في الغالب) أن يعيشوا في مصر، وليست لهم فيها ذكريات طفولة أو ارتباطات أو أصدقاء قدامى، وفترات الأجازة كانت قصيرة...إلخ.
طبعاً هناك استثنائات من هذه الحالة، فليس كل من يسافر يظل مسافراً لعشرات السنين ويتعود ولا يستطيع العودة فهناك من يكون شجاعاً ويتخذ قرار العودة في الوقت المناسب، وهناك أيضاً من يهدي الله أبنائه فلا يلقى المشاكل التي تحدثنا عنها حين عودته، وهناك من يُعَوِّد أبنائه على الحياة في بلادهم فيرسلهم في الأجازة الصيفية كلها ويتحمل غيابهم ليختلطوا بأهلهم ويحاولوا التعود على الوضع فيها وهناك وهناك وهناك...الكثير من الإبداعات التي يبدعها المسافرين لضبط أوضاعهم، أو الكرامات التي ينعِمُ الله عليهم بها. وهناك أيضاً حالات أشد سوءً يضطر فيها الأب لإرسال أبنائه وزوجته ليكملوا تعليمهم الجامعي في مصر، ويظل هو في الخارج وتتشتت الأسرة وتفتقد وجود الأب في فترة مهمة جداً من عُمر الأبناء وهي المراهقة.
السفر آلام وأحزان، وأسأل الله أن يرزقني حياةً كريمة في بلدي وعلى استعدادٍ أن أتحمل كل منغصاتها في سبيل دعوة من أمي وجهاً لوجه وقبلة على يدها أو بسمة من أبي وقبلة على يده.
ولكن للأمانة أختم فاقول أن الحزن الحقيقي هو على بلدي ووطني فلو أكرمت أبنائها كما يُكرَمون بالخارج لما تركوها وخرجوا منها فالمعاملة الآدمية التي يفتقدها معظم المصريون في بلدهم ويجدونها في الخارج هي التي تشجعهم على البقاء في الخارج، وسيكون لذلك تفصيل في خاطرة قادمة لأني أطلت الحديث في هذه الخاطرة.
ولكن الحقيقة أن ذلك منطقيٌّ، فنحن نحب الوطن الطفولة والوطن الذكريات والوطن الأهل والأقارب والوطن الإخوان والوطن الاستقرار، وذلك لا يمنع أن نكره الفاسدين القائمين على هذا الوطن، بل إن ذلك من صميم حبنا له وحرصنا عليه وعلى مستقبله. نحن نحزن لما نرى عليه أمر وطننا، لأننا نعلم أن ثرواته تستطيع أن تحقق له الكثير وترتقي به في أعلى المستويات ولكنها منهوبة، نحن نحزن عندما نتذكر أن وطننا هو الذي أطعم العالم كله في زمن سيدنا يوسُف، نحن نحزن لما نراه من سلوكيات همجية ولا أخلاقية من بعض أفراد شعبنا نظراً لضغط الحياة الذي يعيشه هؤلاء الأفراد وسعيهم المؤلم المجهِد في طلب الرزق لتحقيق الكفاف لأولادهم ولانعدام وجود نظام إداري صارم يستطيع المواطن فيه أن يحصل على حقه أو ينتهي من إجرائاته الإدارية الرسمية في بلده، بل في كل نوع من أنواع الإجراءات تقريباً يجب أن تشعر بالمهانة وضياع الوقت والرشوة وعشوائية الإجرائات!!
وذلك الحزن هو من صميم حبنا لهذا الشعب وهذا الوطن الذي نتمنى له الرفعة والتقدم.
وبالرغم من كل ذلك فلقد شعرت بالمهانة وأنا أنظر للمصريين في الطائرة وهم عائدون إلى السعودية التي يعملون بها ووضعهم المؤلم، معظمهم أسر بدون رجل، لأنه في الغالب لم يستطع أن يترك العمل ويصاحبهم في الأجازة أو على الأقل لم يستطع أن يقضي كل الأجازة وسبقهم للعودة أو ما إلى ذلك من ظروف.
وتخيل معي، الأم بأطفال منهم الرضيع المحمول ومنهم الذي لا يكف عن الحركة واللعب (3-7 سنوات) وهي بمفردها في الطائرة، والضوضاء التي يسببها ذلك كله، ونزولهم للمطار ووقوفهم في الطوابير والحزن الذي يعتريهم لتركهم الأهل والوطن، وكل الحديث في الطائرة: "هنعمل إيه...لازم ننزل أجازة ومفيش شغل في البلد فلازم نرجع"، أو حوار كذلك مثلاً: "بقى لك أد إيه في الرياض...واللهِ 10 سنوات أو 20 سنة...ياااه...خلاص اتعودت مش قادر أتحمل العيشة في مصر...أنا باتبهدل لما أنزل أجازة..."، وكلهم يعيشون في الغربة للعمل ولجمع المال (وسأتحدث عن ذلك لاحقاً) فقط تقريباً.
حمدتُ الله أن رزقني في بلدي وأن سفري مؤقت، وأدعو الله أن يجعل حالي كذلك دائماً. فقد عشتُ في بيتٍ يرفض السفر واقتنعت أن حياةً براتب يساوي ثلث أو ربع ما قد أحصل عليه مع السفر ولكن في وسط أهلي وبلدي وباستقرار هو أفضل بكثير من ذلك السفر الذي أفقد فيه استقراري ويظل بالي مشغولاً بميعاد العودة وهل هي ممكنة وماذا سأفعل حين أعود وكيف سأبدأ التعود على بلدي من جديد، وهل سيستطيع ابنائي الذين تعودوا على رفاهية الخارج (في الغالب) أن يعيشوا في مصر، وليست لهم فيها ذكريات طفولة أو ارتباطات أو أصدقاء قدامى، وفترات الأجازة كانت قصيرة...إلخ.
طبعاً هناك استثنائات من هذه الحالة، فليس كل من يسافر يظل مسافراً لعشرات السنين ويتعود ولا يستطيع العودة فهناك من يكون شجاعاً ويتخذ قرار العودة في الوقت المناسب، وهناك أيضاً من يهدي الله أبنائه فلا يلقى المشاكل التي تحدثنا عنها حين عودته، وهناك من يُعَوِّد أبنائه على الحياة في بلادهم فيرسلهم في الأجازة الصيفية كلها ويتحمل غيابهم ليختلطوا بأهلهم ويحاولوا التعود على الوضع فيها وهناك وهناك وهناك...الكثير من الإبداعات التي يبدعها المسافرين لضبط أوضاعهم، أو الكرامات التي ينعِمُ الله عليهم بها. وهناك أيضاً حالات أشد سوءً يضطر فيها الأب لإرسال أبنائه وزوجته ليكملوا تعليمهم الجامعي في مصر، ويظل هو في الخارج وتتشتت الأسرة وتفتقد وجود الأب في فترة مهمة جداً من عُمر الأبناء وهي المراهقة.
السفر آلام وأحزان، وأسأل الله أن يرزقني حياةً كريمة في بلدي وعلى استعدادٍ أن أتحمل كل منغصاتها في سبيل دعوة من أمي وجهاً لوجه وقبلة على يدها أو بسمة من أبي وقبلة على يده.
ولكن للأمانة أختم فاقول أن الحزن الحقيقي هو على بلدي ووطني فلو أكرمت أبنائها كما يُكرَمون بالخارج لما تركوها وخرجوا منها فالمعاملة الآدمية التي يفتقدها معظم المصريون في بلدهم ويجدونها في الخارج هي التي تشجعهم على البقاء في الخارج، وسيكون لذلك تفصيل في خاطرة قادمة لأني أطلت الحديث في هذه الخاطرة.
أخوكم/
المنشد العام للإخوان المسلمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق