الأربعاء، ٢٤ أكتوبر ٢٠٠٧

موعد مع 17 أكتوبر

كان شخصاً عادياً محترماً مَرِحاً يحب الحياة ويقبل عليها مثله مثل أي شاب في عمره، حتى تقدم لأخته شاب من شباب الإخوان خرج لتوه منذ سنتين تقريباً من سجون عبد الناصر بعد أن قضى فيها 9 سنوات تحت التعذيب الشديد.
تطورت الأحداث وتم الزواج بين هذا الشاب الإخواني وأخت بطل قصتنا، وتطور الحب وصَاحَبَهُ احترام شديد بين بطل قصتنا وبين زوج أخته الإخواني، وأصبح يثق فيه ثقة كلية عميقة ويطمئن لرأيه ويأنس بالجلوس معه، حتى أقنعه زوج أخته بطريق دعوة الإخوان وسار كأحد أبنائه (وإن كان الفرق بينهما ليس كبيراً جداً في حدود 13 عاماً).
وبعد عدة أعوام صار الشاب في عمر الزواج وبدأ البحث عن عروسٍ له، فلجأ إلى زوج أخته الذي يحبه ويثق فيه كما بيَّنا، وبالفعل اختار له زوجة صالحة من الأخوات الفضليات وعاشا في هناءٍ بفضل الله وتحملت معه كل خطوات الحياة وعاشرته في السراء والضراء ورزقهما الله بأربعة أبناء كلهم أصبحوا من الإخوان بعد ذلك وعلى أعلى مستويات التربية بفضل الله ثم بغرس هذه الزوجة الصالحة.
ابتلى الله زوج أخت بطل قصتنا بمسئولية إخوانية ثقيلة، وظل يتحمل من المسئوليات الدعوية حتى حُكِمَ عليه في المحكمة العسكرية عام 1995م بثلاث سنوات، قضاها كاملة.
وكانت هذه السنوات هي محكٌ حقيقيٌ ليظهر فيها بطل قصتنا بطلاً حقيقياً في بيت أخته، زوجة القيادي الإخواني المسجون، فقام على شئونها معنوياً ونفسياً ورعى أولادها، وكان لا يفارقهم في الزيارات، وكم دَبَّر لهم شئون هذه الزيارات وكم قطع الطريق من بيت أخته إلى طرة ذهاباً وإياباً طوال هذه السنوات، وكم حدث من مواقف، وكم كلفه زوج أخته بقضاء الكثير والكثير من المصالح والشئون خارج السجن، شخصية كانت أو دعوية.
فارتبطوا به ارتباطاً وثيقاً أكثر من أي شخص آخر، بل لعلنا لا نعلن سراً حينما نقول أكثر من باقي أخوالهم أيضاً!!
ومرت السنون، وخرج زوج أخت بطلنا من السجن، وعادت الحياة إلى مجاريها قليلاً فقليلاً، وبعد عدة سنوات وبينما بطل قصتنا خارج البلاد، يسمع خبر وفاة زوج أخته الحبيب الذي مثَّل له القائد والمستشار والصديق والأخ الأكبر والأستاذ وكان من أعز الناس إلى قلبه، وبوفاة زوج أخته – وعلى حد تعبيره هو شخصياً – انكسر ظهر بطل قصتنا!!
عاد بطل قصتنا مسرعاً إلى بلده، وعَلِمَ بقصة وفاة زوج أخته، والتي تمثلت في إصابته بأزمة قلبية فور عودته من صلاة الظهر، نُقِلَ على إثرها بالإسعاف إلى القصر العيني الفرنساوي، ليكتشفَ الأطباء إصابته بمرض نادر جداً، وهو تسرب مسار الدم من الشريان الأورطي إلى جدار الشريان نفسه، فقرروا إجراء عملية جراحية بعد أربعة أيام، وتُوُفِّيَ الأخ المجاهد أثناء العملية، وكل ذلك حدث في 5 أيام وكأنه حلم!! فمن صلاة الظهر حتى وفاة زوج أخت بطلنا فقط 5 أيام انتقل فيها من قمة نشاطه وحياته الطبيعية إلى الحياة الآخرة، وكان ذلك في يوم الإثنين 17/10/2005م الموافق 14 رمضان 1426هـ.
ثم تمر الأيام بعد ذلك أيضاً، وتتوالى أحداث الحياة، وفي يوم الخميس 11/10/2007م الموافق 29 رمضان 1428هـ، كان بطل قصتنا مدعوٌ للإفطار هو وعائلته عند أخته التي تُوُفِّيَ زوجها، وامتلأ البيت ضحكاً ومرحاً أثناء الإفطار بين كل أفراد العائلة، ونزل كل الرجال والشباب إلى صلاة التراويح، بينما بقيت زوجة بطلنا وابنته مع العمة في بيتها (أي بيت العمة).
وقالت زوجة بطلنا أنها تشعر بدوار قوي في رأسها وأنها ستحاول التمدد على الأرض قليلاً، وبعد ذلك لاحظت ابنتها والعمة حركات غير طبيعية، فطلبا الإسعاف، ونُقِلَت إلى القصر العيني الفرنساوي أيضاً، وأُجرِيَت لها أشعة، ليتم اكتشاف إصابتها بنزيف في المخ، دخلت على إثره في غيبوبة كاملة، لمدة 6 أيام في العناية المركزة حتى صدر الأمر الإلهي بقبض روح زوجة بطلنا يوم 17/10/2007م!!
نفس اليوم ونفس التاريخ ونفس المستشفى ونفس الظروف الفجائية والانتقال من قمة النشاط للحياة الآخرة خلال أيام، ويفصل هذا الحدث عن ذاك سنتين كاملتين!!
نعم إخواني إنها الحياة، إنها الدنيا وهذه حقيقتها، إنه الموت وهذه هيئته وحقيقته وكيف يأتي بغتة!!
فَقَدَ بطل قصتنا زوجته الداعية الصابرة المربية الطيِّعة الصالحة بين عشيةٍ وضحاها، فَقَدَ أعز شخصين كان يأنس لهما، في نفس التاريخ وبنفس الظروف تقريباً!!

كان آخر عهدها من الوعي رمضان، بعد أن قضت منه 29 يوماً على قيد الحياة وليلة الجمعة، وكانت تتحدث في هذه الليلة قبل موتها بساعات قلائل أن من علامات حسن الخاتمة أن تكون ليلة الجمعة!!

اللهم ارحمها رحمة واسعة والهمنا جميعاً الصبر واجعل كل عملها ودعوتها وحسن تربيتها لأولادها وحسن تبعلها لزوجها في ميزان حسناتها وأنزل الصبر على قلب بطل قصتنا والهمه الثبات.

كان هذا البطل هو خال زوجتي...بارك الله لنا فيه.

مَن مِنَّا استعد للحظةٍ فجائيةٍ باغتة يقول المولى فيها لمَلَكِ الموت: "الآن اقبض روح عبدي فلان"؟
مَن مِنَّا كتب وصيته وقضى دَيْنَهُ وطلب العفو والسماح ممن حوله؟
مَن مِنَّا يُكثِرُ من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
مَن مِنَّا يضع هذا القَدَرَ وهذه النهاية المحتومة أمام عينيه ليضبط عمله وسلوكه ويراقب ربه دائماً؟
مَن مِنَّا يحرص على حُسْن الخاتمة ويعمل لها ويدعو بها؟

نسأل الله الثبات على الإيمان والموت على التوحيد والشهادة وحسن الخاتمة.

أخوكم/المنشد العام للإخوان المسلمين

الأربعاء، ١٠ أكتوبر ٢٠٠٧

غبتُ عنكم لأني عدتُ إليهم

إخواني الأحبة...أخواتي الفضليات
غبتُ عنكم لأني عدتُ إليهم، عدتُ لأهلي وأحبابي، عدتُ لوطني وإخواني، عدتُ لزوجتي وابنتي وأبي وأمي، بفضل الله عزوجل.
هي أجازة قصيرة تنتهي بعد العيد بأيام قلائل إن شاء الله، ولكنها بالنسبة لي فسحة جميلة من الوقت.
عدتُ لبيتي الذي اشتقتُ إليه كثيراً، عدتُ لابنتي التي لم أرَ تطورات نموها السريع طيلة 3 أشهر كاملة.
عدتُ لأمي وزوجتي وذقتُ الطعام من أيديهم، وهو الطعم الذي افتقدته بشدة على الرغم من أن كل شيء موجود بالخارج، إلا أنهم كما يقولون: "ناقص النفس الحريمي" هاهاهاها.
أخيراً، خرجت مع زوجتي وتمشينا وأفطرنا بالخارج كما عادتنا في كل رمضان، ولعبتُ مع ابنتي وعرفتني بفضل الله بعد وقت قليل، على الرغم من أنها لم تتم عامها الأول بعد (إن شاء الله بعد أيام قليلة).
أخيراً عدتُ لرمضان الحقيقي، والصلاة خلف الإخوة ومع الإخوة والاعتكاف - وإن كان متقطعاً - بين الأحباب والجيران والإخوان، عدتُ للأصوات الشجية واللهجة العربية النقية الواضحة التي تمتعك بالقرآن، بعد أن مللتُ من اللهجة الخليجية التي - وَلْيَعذرني إخواني الخليجيين - لا أستسيغها ولا أتفاعل معها بالمرة!!
الحمد لله عز وجل على نعمة الإسلام - وكفى بها نعمة.
الحمد لله على نعمة الإخوان.
الحمد لله أن قدر لنا الاجتماع بالأهل والعودة لحضن الوطن الذي يحمل ذكريات طفولتنا وشبابنا.
وتمت سعادتي عندما سمعتُ خبر الإفراج عن مجموعة الدكتور عصام، وشعرتُ بأن الله استجاب دعائي في الحرم، وأسأل الله أن يعجل استجابته لباقي الدعوات إن رأى سبحانه الخير في ذلك.
أعتذر عن غيبتي عنكم، وأتابع معكم في القريب العاجل بعد الاستمتاع بالأجازة قليلاً وهي تمر بسرعة شديدة، وخاصة أنها بدأت مع بداية العشر الأواخر.
تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال، وتجاوز عما كان منا قبل وأثناء رمضان، وأعتقنا جميعاً في هذا الشهر الكريم وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك.
/أخوكم
المنشد العام للإخوان المسلمين