الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠٠٧

وما الوطن إلا ذكريات!!

ذكرى محزنة...ذكرى مفرحة...
ذكرى مريحة...ذكرى مؤلمة...
ذكرى بعيدة...ذكرى قريبة...
ذكرى طفولة...ذكرى شباب...
ذكرى مبكية...ذكرى مضحكة...
ذكرى مُنوِّمة...ذكرى مفيقة...

دارت بخلدي العديد من الذكريات المتنوعة، وكان لذلك قصة غريبة، فنظام شركتنا في تسكين الغرباء عن البلد الذي يعملون فيه أن يسكن في الشقة فردين، ولكن بعد حوالي أسبوعين من وصولي، غادر شريكي في الشقة فأصبحت بمفردي...

كلُ هذا عاديٌّ جداً، فلقد عشتُ 9 أشهر ببيروت بمفردي أيضاً، فليست هذه هي المرة الأولى التي أقضي فيها فترات طويلة بمفردي. ويكون قضاء الوقت بعد يوم عمل شاق أو طويل أو ممل، غالباً بين قناةٍ وأخرى في التليفزيون، إما "الأقصى" أو"الجزيرة"، أو العاشرة مساء بـ "دريم 2" أو 90 دقيقة بـ "المحور" أو فيلم إحنا بتوع الأتوبيس بـ "ميلودي أفلام" أو...أو...
وبقية الوقت بين الوِرد القرآني، وشرب الشاي وأكل الفاكهة، وبعض القراءة والكتابة على الكمبيوتر، وذلك حتى ينتهي اليوم استعداداً ليوم ببرنامج مشابه في الغالب.

وحدث ما لم يكن في الحسبان، فتعطل التليفزيون، فاضطررتُ أن أستغنى عن الوسيلة الرئيسية في قضاء الوقت!
ولكن بحمد الله كان لذلك أثرٌ جميل، فقد أخذتُ أُقَلِّبُ الكمبيوتر وما به من كنوزٍ مَنَّ اللهُ عليَّ بجمعها طوال الأعوام الماضية، وهذا هو بيت القصيد...

- أول ما يقلب عليَّ الذكريات هو الدعاء والمناجاة وقراءة القرآن للدكتور "خالد أبو شادي" وهو بالطبع غير متوفر في كاسيت، بل على الكمبيوتر فقط، ويالَلراحة التي يسببها لي صوت الدكتور الذي أصفه بالشَجِن، وأسأل الله أن ينفعنا بتلاوته ودعائه ومناجاته المحركة للقلب وإن كان من الحجر (إن شاء الله) وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته.

- وهذه أنشودة "أخي في فؤادي وفي مسمعي" قد قلَّبَت عليَّ ذكريات مع إخواني بالجامعة وأوقات جميلة قضيناها سوياً، وندمٌ شديد على كل لحظة مرت ولم يستفد الواحد منا فيها بهذا الجو الذي يناديك: "اعمل فيَّ بالدعوة فلن يمر عليك وقت كهذا في عمرك كله!!" وبالفعل، وياليت سنين الجامعة تضاعفت 3 أو 4 أضغاف!!

- وأنشودة: "سامعة أيوة دي دقة قلبي بتسأل من فرحتها...بقى معقولة اليوم ده فرحنا؟" قلَّبت عليَّ ذكريات أجمل أيام عمري بفضل الله، وهو يوم زواجي من زوجتي الحبيبة، التي اشتقت لها شوقاً كبيراً في أول سفر يفرقنا عن بعضنا. اشتقت لبسمتها في وجهي حين أدخل منهكاً من يوم عمل طويل، ولنقاشها في مشكلة من مشاكلها مع الأخوات في العمل أو أي مشكلة أخرى. اشتقتُ لتمشيتنا معاً لنشتري كل أغراضنا، أو جلوسنا سوياً في النادي، أو على مائدة عشاء أدعوها عليه مفاجئاً إياها به عن طريق sms فأرى السعادة والفرحة في عينيها الرقيقتين...

- وأغنية: "أحلف بإني أعيش لفكرة أحلى ما فيها ثوابها بكرة" قلَّبت عليَّ ذكرى وَضْع أساتذتي وقادتي خلف أسوار سجنٍ ظالمٍ، وأن ما أشعر به من وحدة وأقسى منه بكثير يشعر به إخواني وأخواتي أبناء وأهالي المعتقلين، وهو أقسى لأن فيه نوعاً من الإذلال، فعلى الأقل أنا أعيش حراً وأتكسب من سفري، ولا تعاني أسرتي إلا من فراقي، والذي هو مؤقت بإذن الله ومعلومة مدته، ولكن إخواني الكبار وأساتذتي غُيِّبوا دون ذنب أو جريرة، وعلى فجأة وفي سجن وليس في مجرد بلد غريبة، وما أدراك ما سجون مصر، ولمدة غير معلومة، بل حتى لم يبدأ حسابها بعد لأن الحُكْم المُجّهَّز مُسَبَّقاً يماطل العسكريون المأمورون في النطق به لإضفاء شرعية على المحاكمة الظالمة، وسُلِبَت منهم أموالهم وحُرِموا من ثرواتٍ ظلوا يبنوا فيها عشرات السنين ويرثوها ويكبِّروها بجهد وعرق وبذل، وهم في نفس بلد أبنائهم ولكنهم محرومين منهم إلا من لقاء عابر في ميعاد الزيارة المليء بالذل والمهانة لأعظم رجال وأهلهم في وطني المسلوب!!

- ومسرحية "شقلبة" قلَّبت عليَّ ذكرى حمايَ رحمه الله الذي عمل في نقابة المهندسين رئيساً لإحدى شُعَب الهندسة بجانب عمله الدعوي الثقيل الذي كلفه به الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله، وظل فيه وقتاً طويلاً، حتى بعد موت الأستاذ عمر، وكيف أن فرقة "شباب المهندسين" التي قدمها مسرح نقابة المهندسين، أو بلفظ آخر: مسرح الإخوان المسلمين على خشبة النقابة، كانت/كان إحدى/أحد نتاجات عمل هذا الجيل العظيم – أقصد جيل حمايَ – عملاً دؤوباً دون كلل أو ملل، لينشروا دعوة الإسلام الشاملة بمختلف الوسائل الدعوية بعد خروجهم من سجون عبد الناصر، من دورات ورحلات وندوات ومؤتمرات بل وفن عميق وكبير مثل المسرح، وكيف كان مسرح النقابة أول مسرح إسلامي شبابي تقريباً يظهر بمصر بعد غياب طويل، وأين جيلنا من هذا الجيل وأين بذلنا أو تحديداً أين بذلي وأين أنا من هذا كله؟ وللأسف الشديد فلم يتغير كثير مما ناقَشَتْهُ هذه المسرحية الجميلة النافعة!!

- ولم أستسِغ سماع الأغاني العادية وخاصة من النساء طوال هذه الفترة من حياتي باستثناء النادر واليسير جداً والذي يأتي صطفة وفي معظم الأحيان دون قصد، ولم يبدأ ذلك إلا بعد زواجي تقريباً (باستثناء فترة الأوبرا في الطفولة بالطبع)، فمعظم سماعي لذلك لإهدائه لزوجتي الحبيبة أو لأعيش في ذكرى معينة بيننا. فكانت أغنية: "ماشربتش من نيلها...جربت تغني لها" وهي ليست على الكمبيوتر واكتشفتها صطفة أيضاً وأنا أقلب بين القنوات (قبل عطل التليفزيون) ولكن ما دمنا نتحدث عن خواطر منفصلة فهي من هذه الخواطر، ومَن يعرف فيكم هذه الأغنية يعلم كم أن كلماتها رهيبة ومؤثرة للغاية، وهي تؤثر في كل مَن في الغربة، وقلَّبَت عليَّ تلالاً من الذكريات الأليمة والمفرحة في آن واحد، فهي ذكريات وجودي في بلدي عموماً!!

- وهذه "الكتب الكثيرة" المسجلة على كمبيوتري ومعظمها لم أقرأه، وأخذتني ظروف الحياة ولم أنتبه لها إلا قليلاً، ألم تأتِ الفرصة الآن لقرائتها والانتفاع بها؟ وإلا أين ستسنح فرصة أفضل من ذلك؟ وقلَّب ذلك عليَّ ذكرى أيام كنتُ أقضيها بحثاً على الإنترنت عن كتاب نادر غير موجود بالسوق كـ:"معالم في الطريق" للشهيد سيد قطب مثلاً.

- وأنشودة: "سنين عمري...مفيش في الدنيا دي قوة هتبعد رحمته عنك" حرَّكت داخلي معنى التوبة الرحمة الذي أحتاجه بشدة وأسأل الله أن يعينني وجميع إخواني عليها وأن يثبتنا بعد هذه التوبة...

كثيرة هي الخواطر...ومتنوعة...منها ما ذكرتُه ومنها ما لم أذكره...
منها الخاص ومنها العام...ولكني أزعم أن ما ساعد على تقليبها عليَّ ليس فقط عطل التليفزيون ووجود الكمبيوتر بل أيضاً الغربة، لأن معظم ذكرياتي مرتبطة بوطني الذي نشأتُ وعشتُ فيه!!

فوجدتُ مقولة تخرج من صدري وقلبي: "وما الوطن إلا ذكريات"!!

أخوكم/
المنشد العام للإخوان المسلمين

الخميس، ٢٦ يوليو ٢٠٠٧

خواطر حول السفر...الحلقة الخامسة...مقابلتي لأخي محمد

الكثير منكم يا إخواني الأعزاء يعلم تجاربي مع السفر (من خلال خواطري المنشورة في ملتقى الإخوان المسلمين)، وكيف أني أتخذه فرصة للتعرف على المجتمع الذي أزوره وأحاول قدر إمكاني معرفة الخطوط العريضة لهذا المجتمع، وأكرر "الخطوط العريضة"، لأن هناك الكثير من التفاصيل التي لا يستطيع معرفتها مَن لا يعيش فترة طويلة في أي مجتمع.
والقاسم المشترك في كل هذه الرحلات هو العلاقة مع الإخوان في الخارج والذين عن طريقهم أحاول توفير الكثير من الوقت عن طريق سماع شرحهم وتعليقاتهم وخبراتهم عن هذا المجتمع.
طبعاً هذا يقودنا لقسوة التوصيل للإخوان خارج القطر، فيمر وقت طويل قد يمتد لسنين لمجرد توصيل الأخ بإخوانه في القطر الخارج عن قطره، وأنا لازلتُ في هذه المرحلة الآن، وأحاول تكثيف اتصالاتي مع مصر ومع مَن أعرف من الإخوان المصريين المقيمين هنا وربنا يسهل بإذن الله.
اليوم حدثت لي مفاجأة جميلة...يكبرني بخمس أعوام...خريج نفس كليتي الحبيبة...التقينا في بعض الأعمال الإخوانية والفاعليات العامة، لم يُقّدِّر الله لنا أن نتعمق في علاقتنا، على الرغم من اكتشافي أننا نتشابه في بعض الأشياء، فهو يعشق الكتابة والأدبية منها بالذات، وجدته أمامي بعد صلاة الجمعة يصلي معي في نفس المسجد بالرياض.
إنه أخي محمد، يعمل هنا منذ سنة ونصف السنة، وتحدثنا وأخذني حيث يسكن، وعزمني على الإفطار فتناولناه معاً – كلٌ منا لم يتناول فطوره قبل الجمعة – وتحدثنا في الوضع بالرياض ووضع الإخوان بالذات وحكى لي عن عناوين مؤلمة، فالذي يريد أجازة ولايوافق له ما يُسَمَّى بالكفيل، والآخر الذي يضطر أخٌ له أن يُوَقِّع على مبلغٍ معين من المال لضمان عودة الأخ، والذي يستقيل ويمنعه كفيله من الخروج من المملكة، والذي يخرج من المملكة ويستدعيه كفيله باستخدام بعض الإجرائات الحكومية...إلخ والكثير من المواقف المؤلمة.
تحدثتنا في الكتابة ووجدت أنه قد قرأ مقالاً شهيراً لي على "إسلام أون لاين" وجعلني أقرأ بعض إنتاجه الأدبي أيضاً، وبالطبع فتحت معه ظروف توصيلي مع الإخوان في الرياض، وإن شاء الله سأجتهد في حل هذا الأمر.
حقيقة كان لقاءً أخوياً جميلاً رائعاً، وقدَّره الله من عنده على فجأة فأخي غير معتاد على الصلاة في هذا المسجد، ولكن أقدار الله جمعتنا، فسبحان الذي يجمع الإخوة من كل مكان!!
وإلى خاطرةٍ أخرى بإذن الله حول السفر...

الثلاثاء، ١٠ يوليو ٢٠٠٧

خواطر حول السفر...الحلقة الرابعة

مسافر أنا بعيد عن أهلي ووطني الذي وُلِدتُّ فيه، فأخاف أن أتحدث في أمر إصلاحي أو شأن من شئون المجتمع العام الذي أعيش فيه، وإن تحدثت فمع القريبين وبعض زملاء العمل، وقد أخاف أن يكونوا من مخابرات الحكومة أو غيرها فأتحاشى الحديث تماماً خشية أن يرحلوني أو يسجنوني.

أخاف أن أؤدي نشاطاً خيرياً علنياً لأني أعيش بإقامة أو بفيزا زيارة، أخاف أن أدلي بحديث لصحيفة أو أن أقول رأيي في برنامجٍ تليفزيوني أو أن أتحدث هاتفياً مع زميل لي فقد تكون الهواتف مراقبة ويحدث ترحيلي فأخسر ما جئتُ من أجله، وهكذا.
كل الأفكار التي تجول في خاطر معظم – وليس كل – من سافر تتلخص في: "ياعم إنتَ جاي تاكل عيش، كل عيش وإنتَ ساكت" أو "يعني إنتَ قاعد هنا على طول، سيبهم يتفلقوا يا عم، لما ترجع بلدك ابقى اعمل اللي إنتَ عايزه"...إلخ وما إلى ذلك.
أعود وأكرر علَّ ذلك حدثتني به نفسي لأني أعيش مؤقتاً قبالفعل ليس هناك داع للدخول في هذه الطرق، أما إن كان وجودي سيطول قد أغير من هذه الأفكار، ولكن الغريب أن هناك المئات من أبناء الدعوة يعيشون على هذا الفكر، وأفضل ما يقومون به هو التربية الداخلية.
فتجد الأسر منتظمة إلى حد ما، وهناك بعض الأنشطة مثل رحلات العمرة والحج والإفطارات الأسرية الجماعية، ولكنها كلها أنشطة داخلية وتتغير من بلد غلى أخرى، فإن كان جو السعودية يساعد على إقامة دروس البيوت ورحلات العمرة والحج، فإن مجتمعات الإمارات وغيرها لاتساعد على ذلك في الغالب، فمن شبه المستحيل أن تقول كلمة في مسجد أو ما شابَهَ ذلك.
المهم أنك في الخارج تُحّدَّد مهمتك في المقام الأول في جمع المال والحرص على أن تكون قليل النشاط وقد يمتد ذلك لعشرات السنين.
حقيقي أن الخير في كل مكان، وأن من أراد أن يعمل للدعوة فسيعمل في كل مكان، وأن الدعوة لا تقتصر على العمل المجتمعي أو السياسي، ولكن المشكلة حين يعود هذا الأخ إلى بلده، فإن انخراطه في العمل مع المجتمع يكون صعباً، لأنه تعود على العمل الداخلي.
أخوكم/
المنشد العام للإخوان المسلمين

خواطر حول السفر...الحلقة الثالثة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غريبٌ أمر هذا الوطن، وكما قال الإمام الشهيد "نحن مصريون بهذه البقعة"، فمهما يفعل فينا فنحن نحبه، وأذكر أني قرأت في أحد المدونات post يتحدث عن هذا الأمر، ويقول "حيَّرتني أيها الوطن".
ولكن الحقيقة أن ذلك منطقيٌّ، فنحن نحب الوطن الطفولة والوطن الذكريات والوطن الأهل والأقارب والوطن الإخوان والوطن الاستقرار، وذلك لا يمنع أن نكره الفاسدين القائمين على هذا الوطن، بل إن ذلك من صميم حبنا له وحرصنا عليه وعلى مستقبله. نحن نحزن لما نرى عليه أمر وطننا، لأننا نعلم أن ثرواته تستطيع أن تحقق له الكثير وترتقي به في أعلى المستويات ولكنها منهوبة، نحن نحزن عندما نتذكر أن وطننا هو الذي أطعم العالم كله في زمن سيدنا يوسُف، نحن نحزن لما نراه من سلوكيات همجية ولا أخلاقية من بعض أفراد شعبنا نظراً لضغط الحياة الذي يعيشه هؤلاء الأفراد وسعيهم المؤلم المجهِد في طلب الرزق لتحقيق الكفاف لأولادهم ولانعدام وجود نظام إداري صارم يستطيع المواطن فيه أن يحصل على حقه أو ينتهي من إجرائاته الإدارية الرسمية في بلده، بل في كل نوع من أنواع الإجراءات تقريباً يجب أن تشعر بالمهانة وضياع الوقت والرشوة وعشوائية الإجرائات!!

وذلك الحزن هو من صميم حبنا لهذا الشعب وهذا الوطن الذي نتمنى له الرفعة والتقدم.

وبالرغم من كل ذلك فلقد شعرت بالمهانة وأنا أنظر للمصريين في الطائرة وهم عائدون إلى السعودية التي يعملون بها ووضعهم المؤلم، معظمهم أسر بدون رجل، لأنه في الغالب لم يستطع أن يترك العمل ويصاحبهم في الأجازة أو على الأقل لم يستطع أن يقضي كل الأجازة وسبقهم للعودة أو ما إلى ذلك من ظروف.
وتخيل معي، الأم بأطفال منهم الرضيع المحمول ومنهم الذي لا يكف عن الحركة واللعب (3-7 سنوات) وهي بمفردها في الطائرة، والضوضاء التي يسببها ذلك كله، ونزولهم للمطار ووقوفهم في الطوابير والحزن الذي يعتريهم لتركهم الأهل والوطن، وكل الحديث في الطائرة: "هنعمل إيه...لازم ننزل أجازة ومفيش شغل في البلد فلازم نرجع"، أو حوار كذلك مثلاً: "بقى لك أد إيه في الرياض...واللهِ 10 سنوات أو 20 سنة...ياااه...خلاص اتعودت مش قادر أتحمل العيشة في مصر...أنا باتبهدل لما أنزل أجازة..."، وكلهم يعيشون في الغربة للعمل ولجمع المال (وسأتحدث عن ذلك لاحقاً) فقط تقريباً.

حمدتُ الله أن رزقني في بلدي وأن سفري مؤقت، وأدعو الله أن يجعل حالي كذلك دائماً. فقد عشتُ في بيتٍ يرفض السفر واقتنعت أن حياةً براتب يساوي ثلث أو ربع ما قد أحصل عليه مع السفر ولكن في وسط أهلي وبلدي وباستقرار هو أفضل بكثير من ذلك السفر الذي أفقد فيه استقراري ويظل بالي مشغولاً بميعاد العودة وهل هي ممكنة وماذا سأفعل حين أعود وكيف سأبدأ التعود على بلدي من جديد، وهل سيستطيع ابنائي الذين تعودوا على رفاهية الخارج (في الغالب) أن يعيشوا في مصر، وليست لهم فيها ذكريات طفولة أو ارتباطات أو أصدقاء قدامى، وفترات الأجازة كانت قصيرة...إلخ.

طبعاً هناك استثنائات من هذه الحالة، فليس كل من يسافر يظل مسافراً لعشرات السنين ويتعود ولا يستطيع العودة فهناك من يكون شجاعاً ويتخذ قرار العودة في الوقت المناسب، وهناك أيضاً من يهدي الله أبنائه فلا يلقى المشاكل التي تحدثنا عنها حين عودته، وهناك من يُعَوِّد أبنائه على الحياة في بلادهم فيرسلهم في الأجازة الصيفية كلها ويتحمل غيابهم ليختلطوا بأهلهم ويحاولوا التعود على الوضع فيها وهناك وهناك وهناك...الكثير من الإبداعات التي يبدعها المسافرين لضبط أوضاعهم، أو الكرامات التي ينعِمُ الله عليهم بها. وهناك أيضاً حالات أشد سوءً يضطر فيها الأب لإرسال أبنائه وزوجته ليكملوا تعليمهم الجامعي في مصر، ويظل هو في الخارج وتتشتت الأسرة وتفتقد وجود الأب في فترة مهمة جداً من عُمر الأبناء وهي المراهقة.

السفر آلام وأحزان، وأسأل الله أن يرزقني حياةً كريمة في بلدي وعلى استعدادٍ أن أتحمل كل منغصاتها في سبيل دعوة من أمي وجهاً لوجه وقبلة على يدها أو بسمة من أبي وقبلة على يده.
ولكن للأمانة أختم فاقول أن الحزن الحقيقي هو على بلدي ووطني فلو أكرمت أبنائها كما يُكرَمون بالخارج لما تركوها وخرجوا منها فالمعاملة الآدمية التي يفتقدها معظم المصريون في بلدهم ويجدونها في الخارج هي التي تشجعهم على البقاء في الخارج، وسيكون لذلك تفصيل في خاطرة قادمة لأني أطلت الحديث في هذه الخاطرة.
أخوكم/
المنشد العام للإخوان المسلمين

خواطر حول السفر...الحلقة الثانية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبحان الله، فعلى الرغم من كَوْن السفر في زمننا الحالي أسهل بكثير منه في الأزمنة الفائتة، إلا أن الاطمئنان الداخلي قلَّ كثيراً، إلى جانب أن الواحد منا – وبخاصة الملتزم أو من يظن نفسه كذلك – إذا نظر لنفسه وهو يستعد للسفر يتعجب كيف أن هذا الذي يجتهد في الأسباب لتحقيق الأمان المادي والاجتماعي في الدنيا لنفسه ولأسرته هو ذاته الذي يدعي أنه يتخذ المعقول من الأسباب التي توصله للآخرة!! شتَّان واللهِ يا إخواني للأسف الشديد، وكلٌ منهم سفر، بل السفر للآخرة هو اليقين وهو الواقع لا محالة.

كيف يفكر الواحد منا طريقة تأمين حياة أسرته في غيابه للسفر ويتأكد من توفير كل سبل الحياة الكريمة وما يحتاجونه من أموال وسيارة وتدبير مختلف الأمور. كيف يشتري كل ما سيجهدهم شراؤه أثناء غيابه قبل السفر، وكيف يضبط أموره المالية واستحقاقاته المختلفة. كيف يظل يفكر فيما سيحتاجه أثناء سفره وهو يجهز حقيبته، سأحتاج كذا وكذا ويجب أن أشتؤي كذا علِّي أجده غاليَ الثمن هناك، وسأحتاج لكذا وكذا، ويجب أن أمر على فلان حتى آخذ منه كذا لأنه سيفيدني في رحلتي، يجب أن أسلم على أقاربي وأودعهم، يجب أن أجتهد في غلق كل ملفات معاملاتي المفتوحة...إلى آخر ذلك من أسئلة وتدابير واحتياطات يأخذها كلٌ منا عند سفره، فهل يا تُرى نفكر للآخرة بنفس القدر والكيفية؟! يارب أعِنَّا واغفر لنا وثبِّتنا على الحق.

أخوكم/
المنشد العام للإخوان المسلمين

الخميس، ٥ يوليو ٢٠٠٧

خواطر حول السفر (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غبت عنكم إخواني الأعزاء وأخواتي الفضليات لظروف السفر التي اعتذرت عن حضور الكثير من المناسبات بسببها، ومنها عرس إبراهيم العريان للأسف الشديد.وها هي الأيام تمر وأغادر الوطن ثانية في رحلة عمل لفترة قد تطول وتمتد لشهور عديدة بإذن الله، وها أنا الآن أكتب لكم من الرياض بالسعودية.
وأعتقد أن الكثيرين من الإخوة - وبخاصة أعضاء ملتقى الإخوان المسلمين - يتذكرون رحلتي إلى بيروت منذ حوالي ثلاث سنوات (نيسان 2004).
غادرت الوطن وللسفر خواطر كثيرة:
1- هذه هي المرة الأولى التي أسافر فيها بعد الزواج والإنجاب، فصعَّب ذلك الأمر عليَّ، حيث الاشتياق لزوجتي وابنتي الحبيبتين إلى قلبي.
2- شعرت بمشاعر غريبة ناحية السفر منذ أن وَطِئَت أقدامي أرض المطار، فمنظر المصريين المستقر بالسعودية وطريقة تشبثهم بالسفر، واستسلامهم للحياة السهلة والعَيْش الرغد، أزعجتني كثيراً.لا شك أن الله لم يحرم علينا رغد العيش، ولكن ما أقصده أن هؤلاء - ولا أقول الكل بالطبع - قد حددوا هدفهم من الحياة وهو جمع المال، وللأسف دون حد معين أو هدف محدد، وإنما الجمع من أجل المستقبل بغض النظر عن شكل هذا المستقبل وهل يُخّطَّط له أم لا.
في خارج بلدك وخاصة بلاد مثل الخليج والسعودية، لاتستطيع الكلام في الشأن العام أو نقده أو تغييره، لا تستطيع ممارسة أي نشاط في المجتمع بقوة وعَلَن، طبعاً إلا بعد استقرار يمتد لسنوات وسنوات،لا توجد حياة اجتماعية إلا في أضيق الحدود (بين ما يتواجد من أقارب ومعارف في الغربة ممن سافروا معك من وطنك أو ممن تتعرف عليهم خارج الوطن)، وكما أخبرني أحدهم، أن الواحد في كثير من الأحيان يُصادق فلاناً لأنه هو الوحيد الذي في طريقهأو بمعنى آخر هو التي تتناسب ظروف أوقاته مع أوقاتي، حتى لو اختلفت الطبائع.
لا يوجد حولك أحداث اجتماعية للأقارب، فلا عم أو خال أو جد أو جدة فضلاً عن أب وأم وزوجة وأبناء، وأبناء عمومة وأبناء أخوال...إلخ حتى تشاركهم أحداثهم ولو بالهاتف، ولكن القليل من المتواجد منهم معك خارج الوطن والمنهوك في عمله مثلك تقريباً.هذا ما قصدته، أن الحياة تتلخص في النهاية في ذهاب إلى العمل وإياب للبيت وجمع المال.
أتابع معكم خواطر حول السفر تباعاً بإذن الله.