الثلاثاء، ١١ سبتمبر ٢٠٠٧

بأي حال تأتي علينا يا رمضان؟

زمان في بداية مرحلة الشباب والتي تزامنت مع بداية الالتزام – نسأل الله أن نكون كذلك وأن يثبتنا وإياكم على الحق – كان قدوم رمضان يحمل معانٍ عدة، وكلها بفضل الله تصب في الاستعداد لزيادة الطاعات، وعقد العزم على ختم القرآن أكثر من مرة، ومضاعفة كل أنواع الخيرات، ومجاهدة النفس في الصبر على المعاصي وشهوات النفس.

وتَقَدَّمَ العمر، وانخرطنا في العمل الدعوي، وهو فضل بالطبع من الله، ولكن للأسف الشديد، انشغال الأخ بعمله الدعوي الذي من المفترض أن يتضاعف في رمضان يشغله قليلاً عن الانتباه لنفسه في مضاعفة الأجر والعمل الصالح والاستمتاع بالعبادة الشخصية الفردية!
والذي يقرأ الآن كلامي هذا – وبخاصة من غير الإخوان – قد يستغرب كيف يزداد العمل الدعوي وينشغل الإنسان عن الانتباه لمضاعفة العمل، أليس في هذا تناقضٌ؟ ولكن معظم الإخوان والمتعرضين للعمل الدعوي العام يفهموني جيداً.

تُبذَل معظم أوقات العاملين من الإخوان في التخطيط لمسابقة القرآن في رمضان ومن المسئول عن الجوائز، ومن المسئول عن توزيع الإفطارات، ومن الذي سيحضر كلمة التراويح اليومية، ومن الذي سيصلي إماماً بالناس، وكيف سيكون العمل بالمساجد، وماذا عن ندوات رمضان في النوادي التي نتواجد فيها، وجميع المحافل المجتمعية، فضلاً بالطبع عن وضع برامج الاعتكافات والتهجد وما سينطوي على ذلك من ترتيب أمور المعتكفين وإفطارهم وسحورهم وبرنامج المعتكف...إلخ. ثم تأتي بالطبع أعمال العيد، وذلك بعد نهاية رمضان. نضيف لكل ما ذُكِرَ، العمل الحياتي اليومي.

هذه كلها أنشطة رائعة وجميلة وكل المسلمين تقريباً يغبطوننا على القيام بها والانخراط فيها، وإن شاء الله يكون لها ثواب عظيم، ونسأل الله القبول، ونعلم فضل الدعوة إلى الله ونشر قيم الإسلام والنهوض بحب الناس لعبادة الله والتقرب إليه، ومعاونتهم وتشجيعهم على المسارعة في الخيرات، ونتمنى وسنظل نعمل من أجل أن نكون في هؤلاء الذين يعملون لذلك بإذن الله سائلينه الثبات.

لكن...بنظرة تركيز، تجد معظمنا مهموم ومنشغل بما ذُكِرَ من ترتيبات: كتابة كلمة التراويح، الاتصال بالأخ الإمام والترتيب معه، الاتصال بضيف الندوة ومقابلته وترتيب اللقاء معه، الاتفاق مع من سيطبخ طعام المعتكفين، ومتابعته، وبعض الإخوان يقوم بنفسه بذلك، أي يطبخ، ويقلل من نومه ومن راحته من أجل أداء هذه الأعمال...إلخ، وينسى أو ينشغل عن أن يفرغ لنفسه وقتاً يحدث فيه نفسه، ويقف مع نفسه وقفة صريحة حقيقية، أين أنا؟ ماذا قرأت أنا؟ ماذا حفظت أنا؟ كم ركعة تهجدتها، كم صدقة قمت بها بنفسي؟ وكم؟ وكم؟ وكم؟

نعلم أيضاً، أن مَن ينشغل بخدمة الناس فليس ببعيد على المُضطَّلِع على كل خائنةٍ وظاهرةٍ سبحانه وتعالى أن يكتب له أجور أعمال من يخدمهم، ولا ننكر أن هناك من الموهوبين من يستطيع ضبط وقته لينظمه بحيث يستطيع ألا يقصر في معظم واجباته الحياتية والدعوية ويستمتع في نفس الوقت بما ذكرناه من متعة العبادة الشخصية.
لكني أزعم أن معظمنا يختل ميزانه فيميل ناحية كفة أكثر من الأخرى...وغالباً تميل كافة العمل الدعوي على حساب الاهتمام بالذات والعبادة الشخصية للأخ نفسه.

والآن يأتى إلينا رمضان آخر، ويأتي بحال غريب، فالكثير من أساتذتنا وأعلام دعوتنا وقادتنا ومسئولينا في سجن الظالم، نسأل الله لهم الأجر والحرية. وننشغل أيضاً بمتابعتنا لأخبار المسرحية العسكرية الجائرة، وهؤلاء الإخوان المعتقلين، وتسجيل كلماتنا في مدوناتنا، لتكون وسائلَ إعلامٍ متحركة، والحوار مع الناس وقراءة الصحف التي تتحدث عن هذه الأحداث، هذا بالإضافة لانشغالنا بحال الأمة الإسلامية عامة، فمن فتنة وقتال وعنف طائفي مستمر ومؤامرات للاحتلال في العراق، لخيانة وتعاون مع الاحتلال وحصار من فتح على حركتنا العظيمة الشامخة حماس وأهلنا في فلسطين (وبالأخص قطاع غزة)، لهموم مصرنا التي لا تنتهي بل تتجدد وتتطور يوم بعد يوم...إلخ.

فهل مع كل هذه الأحداث والظروف المتشابكة، نستطيع أن نستفيد برمضان ونجتهد في العبادة فيه؟ وهل سنستطيع تدبير وتنظيم الوقت فيه إن شاء الله؟

نطمئن – إن شاء الله – أن رمضان عند إخواننا المحبوسين ظلماً وجوراً مختلف تمام الاختلاف، فبجانب أجرهم في السجن والأسر في سبيل الله، وفي سبيل قَوْل كلمة حق عند سلطان جائر، وفي سبيل العمل لدعوة الله وشريعته ونشرها وإعلاء كلمتها وتطبيقها في ربوع الأرض، هناك خلوة النفس والبعد عن هموم الحياة (على الأقل بالجسد) وعدم وجود واجبات اجتماعية تحتاج لمشاوير ويتسنى لهم التفرغ شبه الكامل للعبادة ومحاسبة النفس، والإكثار من الذكر والحفظ ودراسة الشريعة الغرَّاء. ونسأل الله أن يطمئنهم على عائلاتهم ويمتعهم بهذا التفرغ العبادي ويتقبل منهم ويفك أسرهم أيضاً.

فهلا حاولنا اقتناص فرصة هذا الشهر الكريم؟
هلا انتبهنا من بدايته لكل دقيقة بل لكل ثانية فيه؟
هلا عقدنا العزم على بذل الخير لأنفسنا أولاً، ومراقبتنا لأعمالنا الإيمانية ومحاولة إعطائها أولوية عالية؟
هلا نوينا الاستغناء عن بعض ما نحب، من إنترنت وتدوين وتليفزيون (حتى النافع منه) قليلاً ؟

...هيا إلى وقفة في السحر في جوف الليل
...هيا لدمعة نسأل الله أن يمسح بها ذنوباً وخطايا كثيرة
...هيا لمناجاة لرب العالمين نعترف بما اقترفته أيدينا ونتذلل إليه سائلينه المغفرة والرحمة والقبول


اللهم بلغنا رمضان وأَعِنَّا على طاعتك فيه خير الطاعة ويسِّر لنا الاجتهاد في العبادة واجعلنا من عتقائه...اللهم تقبل.

/أخوكم
المنشد العام للإخوان المسلمين

هناك ٣ تعليقات:

غير معرف يقول...

أخي المنشد العام

نعم أنا متفق معاك أن كل

المسئوليات دي بتكون سبب في الكثير

من الإنشغال و عدم التركيز في العبادة

و أعتقد إن الموضوع فعلاً محتاج وقفة

لكن برأيي لو الأعمال دي سبقت بالنية

الخالصة فبإذن الله هيعدل ثوابها ثواب

العبادة في رمضان لأن دي أعمال

فيها هداية للكثير من الناس ...

كل عام و أنتم بخير

شقاوة شعب يقول...

بجد جزاك الله خيرا اخونا المنشد العام
ذكرتنا بحاجة مهمة جدا احيانا ننشغل عنها مع كثرة المهام فى رمضان

ولكنى سأقول لكم كلمة قالتها لى احدة صديقاتى

قالت لى: نفسك نفسك
ولا تقصد ان اعتزل الدعوة فى رمضان او الاعمال الخدمية
ولكن ضع نفسك نصب عينك ماذا قدمت لها فى رمضان من ثواب
ماذا اضفته لها من طاعات
ماذا حرمته منها من معاصى وذنوب

اسأل الله ان يبلغنا جميعا ليلة القدر
وان يعتق رقابنا فيها من النار
وان يفك اسر كل اساتذتنا واخوننا
ويفك اسر بلدنا ان شاء الله

المنشد العام للإخوان المسلمين يقول...

جزاك الله خيراً يا أخ (أنس)
جزاكِ الله خيراً يا أخت (شقاوة)

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال..

وربنا يعيننا على أنفسنا والانتفاع برمضان.

/أخوكم
المنشد العام للإخوان المسلمين