الخميس، ٢٦ أبريل ٢٠٠٧

لماذا لا يسعى الإخوان المسلمون إلى السلطة الآن؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ انتهاء الانتخابات النيابية المصرية الماضية (2005) والتساؤلات والتكهنات لاتنتهي حول موقف الإخوان من القضايا المختلفة التي زُرِعَ في فكر المجتمع أنها محرَّمة ومُجرَّمة من قِبَل الفكر الإسلامي بكل أنواعها وعلى اختلاف أشكالها وأهدافها، مثل الفن والثقافة وحرية الإبداع، وموقفهم من المرأة والأقباط...إلخ.

وقد انتقل النخبة والمراقبون والمحللون من احتمالات صعود تيار الإخوان المسلمين السياسي، أو حتى مجرد اشتراكهم في صنع القرار، أو احتمال مشاركتهم في حكومة ائتلافية – بغض النظر عن قبول الحزب الحاكم بذلك من عدمه – إلى تحليل الأوضاع حال وصول الإخوان إلى الحكم، أي أن وجود الإخوان وتأثيرهم القوي واعتبارهم القوة الرئيسية المنافسة للحزب الوطني أصبحت حقائق لاشك فيها ولا مناقشة حولها، وأصبح التفكير في وجود الإسلاميين في السلطة بديلاً مطروحاً للنقاش ولو حتى بالهجوم، وبعضهم اعتبره حقيقة لا هروب منها وأن كَوْنها واقعاً أصبح مسألة وقت ليس أكثر.

لذلك كان من المنطقي والطبيعي أن تثور ثائرة المعارضين و تكثر تساؤلاتهم بل واتهاماتهم للإخوان ولكل الإسلاميين، وكان من المنطقي أيضاً محاولة تضخيم الخوف من مجرد الصعود السياسي لهذا التيار، بعرض التخيلات والاحتمالات المتوقعة لكل التفاصيل الصغيرة المتعلقة بأمور الدولة والشأن الداخلي والخارجي لإثبات فشله في إدارة كافة الأمور بل وفي التعامل مع كافة الأطياف والأفكار والنشاطات في الدولة.

وللأسف الشديد، فإن من سلكوا هذا الدرب من النقد، لم يُثيروا – في معظمهم - قضايا أو تحديات رئيسية هامة في إدارة شئون الدولة، مثل كيفية التعامل مع الدَيْن الداخلي، أو كيفية علاج مشكلة البطالة، أو تطوير المشروعات القائمة من مصانع بماكينات مترهلة وبطالة مقنعة ورواتب ضئيلة، أو شركات استثمارية، أو إنعاش السوق التجاري، أو حتى تطوير المرافق الرئيسية والهيئات الحكومية، فضلاً عن مشاكل التعليم والإسكان والصحة والموازنة والشباب والرياضة...إلى غير ذلك من قضايا.
وإنما اكتفوا بطرح أسئلة عن تفاصيل بعيدة كل البعد عن هَمِّ المجتمع المصري في أغلبيته، مثل: "كيف سيتعامل الإخوان مع الراقصات؟"، "كيف سيتعاملوا مع صناعة السجائر والخمور واستيرادها وبيعها وتداولها؟"، "كيف سيتعاملوا مع الملاهي الليلية التي تحتوي على زنا مقنع، وهي باب رزق لكثير من البيوت؟!"، وهل تعاملاتهم ستُبقِي على نفس مستوى الدخل من السياحة؟ كيف...وكيف...وكيف؟؟

وكأنهم أرادوا إحراج الإخوان والمزايدة عليهم أو إثبات وقوعهم في مآزقَ عدة حال تفكيرهم في تولي مقاليد الأمور، ويطالبون الإخوان بإجابات شافية وافية آنية ومقنعة ومطمئنة لكل هذه التفاصيل، وكأنهم – أي الإخوان – هم من أنشأها وبالتالي وَجَبَ عليهم حل هذه المشكلات!! ولم نَرَ أحداً من هؤلاء تقدم ولو باقتراح واحد ليساعد الإخوان في الخروج من هذه المشكلات. وكأن المطلوب منا أن نقبل بالواقع الحالي بكل مساوئه أفضل من أن يأتي الإخوان فيُحَرِّموا كل هذه النشاطات، ولا ينبغي لنا أن نساعد الإخوان أبداً أو نراجعهم في إطار المصلحة، بل يجب أن نحاربهم ونُزايِد عليهم ونتهمهم على الدوام، حتى قبل أن نرى منهم واقعاً قد يُصَدِّق أو يُكَذِّب هذه الادعائات.

يجب أن نلفت النظر إلى أن الإخوان قد أعلنوا أكثر من مرة على ألسنة قادتهم أنهم لا يَسْعَوْنَ لحكم الدولة الآن، وأن ذلك لا يمكن أن يتم في ظل الظروف الحالية للشعب. وها قد أثبتوها بترشيحهم لعدد 20 مرشحاً لانتخابات الشورى وهو أقل من المطلوب للمنافسة على مقعد رئاسة الجمهورية من المستقلين، إذا تمت الانتخابات قبل موعدها عام 2011م إن شاء الله، والمقصود من ذلك: أن الإخوان يريدون وقتاً للإجابة عن هذه التساؤلات المطروحة، ولكن ليس عبر المقالات ولقاءات الفضائيات فحسب، وإنما عبر الممارسات العملية الفعلية في وسط المجتمع، وذلك تأكيداً لمنهجهم الذي يعتمد على الإصلاح التحتي والمقصود به إصلاح المجتمع وإقناعه بمنهج الإسلام كنظام شامل يحكم كافة شئون الحياة، متنافساً مع غيره من الأنظمة وأساليب الإدارة من رأسمالية واشتراكية وعلمانية، كُلٌ يطرح نفسه بمنتهى الحرية للشعب، ثم يتم الاحتكام بعد ذلك إلى صناديق الاقتراع. وهذا الإقناع يحتاج للالتحام العملي والاجتماعي بقوى الشعب وجماهيره، لإثبات إمكانية تطبيق الإسلام في حل مشكلات المجتمع، على الأقل من وجهة نظر الإخوان، وكُلٌ له الحرية في أن يعارض أو يُعَدِّل أو يوافق.

الإخوان يريدون المصلحة لهم ولغيرهم، ولو أرادوا مصلحتهم فقط لانفصلوا عن بقية قوى المعارضة تماماً دون أدنى تنسيق، وكانوا قادرين بفعل وزنهم نسبة إلى وزن جميع القوى الأخرى، ولكنهم ناضلوا بمفردهم وهم القوة الوحيدة التي قدمت التضحيات في مظاهرات المطالبة بالإصلاح السياسي عام 2005م وتم اعتقال حوالي 3000 منهم، ورغم ذلك أَعلَنوا عقب فوزهم بعدد 88 من مقاعد مجلس الشعب على الفور أن ذلك مكسب للمعارضة كلها، وأنهم سيعملوا معها تحت القبة. وحتى القول بأن ذلك من باب الفرقعة الإعلامية وتصريحات الاستهلاك المحلي، فقد تم نفيه بعد أن تمت محاولات التنسيق بالفعل واللقاءات مع المعارضة بكافة أطيافها ومحاولة توحيد أجندة معينة للمعارضة كلها تحت القبة.

ورَفْضُ الإخوان للحكم الفجائي الآن أيضاً ليس هروباً من المسئولية، وإنما يتأتّى لأسباب شتى، أولها أن الإعلام قد شوّه صورة الإسلاميين وأسلوبهم بشكل مفرط، إلى جانب أنه سوّى بين المدارس الفكرية الإسلامية وجعلها كلها تصب في بوتقة واحدة وهي "العنف"، مما يحتاج إلى ممارساتٍ كما ذكرنا للرد على ذلك، وهي أفضل بكثير من الأقوال والبيانات – مع عدم إهمالها أيضاً – في توصيل الرد الحقيقي.

وثاني هذه الأسباب أن المجتمع في حد ذاته غير مؤهل الآن للانتقال الفجائي من نظام شمولي، في ظله تَرَبّى وتَعَوَّدَ الكثير من الناس على ممارسة البلطجة ودفع الرشوة والاعتماد على الوساطة والمحسوبية لأخذ الحق، بدلاً من اللجوء للقضاء مثلاً والاحتكام للقانون، إلى نظام جديد يَعِدُهُم باحترام القانون والقضاء على الفساد الإداري – بغض النظر عن كونه إسلامياً أو غير إسلامي – وذلك لأنه – أي المجتمع – وَصَلَ إلى درجة شديدة من اليأس والإحباط، مما يتطلب من رجالات الإصلاح بكافة توجهاتهم – وفي القلب منهم الإخوان المسلمون – العمل وسط المجتمع لإزالة هذا الشعور باليأس، والعمل على خَلْق فكرٍ تربوي جديد من شأنه بث روح الأمل والثقة في نفوس الشعب وبخاصة الأجيال القادمة في الإصلاح والتحول بالدولة إلى دولة الحرية والعدل والمساواة و المؤسسات واحترام الحقوق والقانون والقضاء.

وثالث هذه الأسباب، أن الإخوان يدركون نظراً لكل ما سبق من واقع ملموس، أن المجتمع الحالي يحتاج لإصلاح شديد، إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، ويجب البداية بالإصلاح السياسي الذي يضمن بيئة حرة نقية تسمح بالتعددية وتضمن عدم استئثار أي تيار بالسلطة، وهم بذلك ينفوا إرادتهم للاستئثار بالسلطة، وهذا الإصلاح لن يتم إلا بتضافر الجهود وتكاتف كل المدارس الفكرية والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني – إسلامية وغير إسلامية – على الأقل في مناطق الاتفاق - وهي كثيرة - ويتفق عليها بالفعل معظم أحزاب المعارضة والقوى السياسية. ويظل الخلاف الفكري بين المدارس قائم ووارد في إطار من المناقشة البناءة والحوار الحر.

وإذا أردنا أن نجيب عما أسميته أنا "التساؤلات التفصيلية" مثل قضايا الراقصات والخمور والسياحة...وما إلى ذلك بعد أن نفترض جَدَلاً وصول الإخوان للسلطة، فيجب أن نوضح شيئاً هاماً، وهو أن الإخوان المسلمين لايريدون إحداث مصائب للمجتمع حال توليهم أي سلطة، فهم أهل دعوة لا يعادون المجتمع وهم جزء من هذا المجتمع ولا يعتبرون العاصي مجرماً بل يتمنون له الهداية ويحاولون الأخذ بيده للصلاح. وذلك فضلاً عن أنه خُلُقٌ من أخلاقِ الإسلام والدعاة، فهو شيءٌ منطقيٌ لأي قيادة جديدة تريد استرضاءَ جمهورها - على الرغم من أن ذلك الاسترضاء ليس هو المنطلق الوحيد والرئيسي الذي تتحرك منه الجماعة في تصرفاتها - وبالتالي فإن منهجها سيكون (إصلاح الأحوال) وليس (تدمير الأحوال) حتى وإن كانت مخالفة للشريعة!

وذلك ليس ابتداعاً من الجماعة وإنما هي روح التشريع الإسلامي السَمِح، وتحقيقاً لمبدأ التدرج، فقد تدرّج الشارع الحكيم في تحريم الخمر مثلاً. وبالتالي فإن كل هذه القضايا سيتم الإصلاح فيها جنباً إلى جنب مع الأمور الأساسية، ولكن تأتي بأولوية أقل. ولا ننسى أنه لو تم للإخوان ما يريدون من الالتحام بالمجتمع وتوضيح مبادئ الإسلام الوسطية التي غُيِّبَت وموقف هذا الدين العظيم – حسب فهمهم – من هذه القضايا والحكمة من هذه المواقف، ففي ذلك الوقت سيكون فكر الشعب بما فيه هذه الفئات التي يُسأَل عن كيفية التعامل معها أو إيجاد حل لها – من راقصات وتجار خمر...إلخ – قد تغير إلى حد ما، ورَأَى الصورة الإسلامية المطروحة لإدارة المجتمع، فليس من البعيد أن يقتنع بأن الإسلام سيجد له بديلاً شرعياً يحقق له حياة آمنة مستقرة.

وهناك العديد والعديد من الأفكار لحل هذه الإشكاليات، مثل عمل صندوق مدعّم من الدولة لإقامة مشروعات بديلة لأصحاب الملاهي بأقساط مريحة وبعد فترة تدريب وتأهيل، أو الإبقاء على نشاطهم الفني ولكن مع الترشيد بمنع العري والخمر، ويكون ذلك كله بعد منح مهلة زمنية لتوفيق الأحوال مثلاً، وعلى صاحب النشاط أن يختار ما يحلو له ويناسبه من حلول. ولتقرير ذلك أو غيره، فإن هناك مجلساً تشريعياً يحلم الإخوان بأن يكون مُمَثِّلاً عن الأمة بحق، ومُختاراً بإرادة شعبية حرة يقرر ما يرى فيه المصلحة، ويُجَرِّب وقد يصيب أو يخطأ، ويتعلم من خطأه، وتُرَشِّدُهُ في ذلك معارضةٌ وطنية همها مصلحة الوطن في المقام الأول وقبل كل شيء.

إذن من المؤكد أن الأولويات الآن أصبحت واضحة، فإصلاح النظام السياسي وإطلاق الحريات، و تفعيل منظمات المجتمع المدني، وتقوية ثقافة المجتمع والارتقاء بها من كافة نواحيها والعمل معه والانتشار بقيم الإسلام وفكر الإسلام تطبيقاً لا قولاً فقط، هي الأولويات التي يسعى الإخوان للعمل فيها الآن، ثم تمر السنون، وبعدها قد يتم التفكير في السلطة، والتي قد تكون بأناس على فكر الإخوان – أو قريب منه – وليسوا من الإخوان، أو خليط من هذا وذاك. ولكل حادثٍ حديث.

الأربعاء، ٢٥ أبريل ٢٠٠٧

الفكر لا يُضاد إلا بالفكر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفكر لا يحارَب إلا بالفكر...

دَأَبَت قوى السلطة من وقت إلى آخر على محاربة كل صاحب فكرة مضادة لفكرتها أو قل مضادة لمصالحها الدنيوية البحتة. وتكون هذه المحاربة غالباً شرسة جداً، وتبدأ بالمحاربة بمجرد الترهيب اللفظي بشتى السُبُل ومروراً بالمحاربة في الأرزاق، ووصولاً إلى القبض والتوقيف والاعتقال وتلفيق التهم وإيداع صاحب الفكر المعارض السجن ولامانع من بعض التعذيب النفسي والبدني ويصل الأمر للحكم على المعارض بقضاء السنين الطوال وراء قضبان السجن بلا جريرة ولاسبب اللهم إلا ذنب مجرد معارضة النظام!!

إلامَ يؤدي ذلك؟

يؤدي ذلك بالطبع إلى تمسك صاحب الرأي المعارض برأيه أكثر وأكثر، بل ويزيد من كرهه للنظام والقائمين عليه، وقد يتطور الأمر – إذا فقد المعارض المظلوم إيمانه بربه وبأنه هو المنتقم والمضطلع على كل شيء - إلى كره بلده كلها، وفقدان الانتماء إليها، واقتناعه ويقينه بأنه مظلوم في هذا المكان ومهضومة حقوقه.
ويؤدي ذلك في النهاية إلى صناعة جيل من الكارهين وأصحاب الانتقامات المكبوتة، الذين ينتظرون أي فرصة لرد ولو مجرد حق واحد من حقوقهم التي هُضِمت.

أمثلة نعرفها جميعاً

ماذا حدث عند قمع قوى اليسار والشيوعيين في عهد السادات، وماذا حدث عند قمع جماعة الإخوان المسلمين من أيام جمال غبد الناصر حتى الآن، لا شيء، بل بالعكس فإن أنصار هذه الأفكار يزدادون ويتكاثرون ويتولد عندهم العناد والثبات على فكرهم، بل إن كانوا ممن لا تحدهم خلق ولا رفض للعنف، فإن ذلك قد يُوَلِّدُ ثأراً بين مَن يُقمَع من أصحاب الرأي والفكرة ومن يَقمع من الحكومات والأنظمة.

من أمثلة ذلك، هذا الحدث: في أحد محافظات الصعيد، أمر مجموعة من الضباط مجموعة من العساكر بتعرية وارتكاب الفاحشة في زوجات وأخوات بعض معتقلي الجماعة الإسلامية عنوة وأمام أعينهم، بعدما رفضوا الاعتراف بما لم يقترفوه من أعمال، فما كان من هؤلاء المعتقلين بعد الإفراج عنهم إلا أن فجّروا قسم الشرطة بمن فيه، وأظن ذلك بسيطاً في مقابل بشاعة ما حدث من هؤلاء الضباط، ولكن كما ذكرنا فهذا عنف ومعاملة أمنية من الدولة ولّدت عنفاً زائداً من قبل المعارضين أصحاب الأفكار التي لا ترضى عنها الدولة...

المعالجة الحوارية هي الحل...

لاحل مع صاحب الفكر أو الرأي – أي فكر أو رأي ومهما كانا – إلا الحوار البنّاء الحقيقي، وأمام الجميع، وفتح قنوات التنازل من كل طرف حتى يتم التلاقي في منتصف الطريق، ويتم تطبيق القاعدة الذهبية التي رفعها الإمام الشهيد حسن البنا: "نتفق فيما اتفقنا عليه ونعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"...

الأحد، ١٥ أبريل ٢٠٠٧

خبر أضحكني كثيراً

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت خبراً أضحكني ملءُ فِيَّ، ولم أستطع منع نفسي من استمرار الضحك. الخبر هو المانشيت الرئيسي لعدد الخميس 12/4/2007 من جريدة المصريون الالكترونية، وعنوانه: (المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر يزور الكونجرس الأمريكي الشهر القادم)، وفي تفاصيله أن العَشَاء الذي تم في منزل السفير الأمريكي على شرف وفد النواب الأمريكيين من الديمقراطيين، والذي دُعِيَ إليه الأستاذ الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب من قِبَل الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري، قد شَهِدّ لقاءً جانبياً بين رئيس كتلة الإخوان ورئيس كتلة الديمقراطيين، سلّمه خلالها الدكتور الكتاتني – كما يذكر الخبر – قائمة بأسماء معتقلي الإخوان في المعتقلات المصرية، واشتكى له من انفراد الحزب الوطني بالساحة السياسية وخاصة بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، وقد وعده رئيس كتلة الديمقراطيين بخطوات إيجابية من الولايات المتحدة في هذه المواضيع، إلى جانب تلقيه دعوة للمرشد ولبعض أعضاء مكتب الإرشاد ولنواب الجماعة لزيارة الكونجرس والكلام أمامه!!
وأضاف الخبر أن أحزاب المعارضة أصدرت بياناً استنكرت فيه اللقاء، ومما جاء فيه: "ورأى النواب أنه وفي ظل قرب انتخابات مجلس الشورى، فإن أي اجتماعات يقوم بها الجانب الأمريكي بهذا الشكل مع قوى غير مشروعة يعد دعما لمرشحين القوى المحظورة والتي تتمتع بالحماية الأمريكية".
ماذا نقول عن هذا الخبر الساذج!!
أولاً: إن الأستاذ محمد مهدي عاكف ممنوع من السفر، ومعظم قيادات الجماعة (أعضاء مكتب إرشاد وغيرهم) ممنوعون أيضاً ولا يسافر أحدهم إلا نادراً جداً، وواقعة منع سفر الأستاذ المرشد العام الماضي للعُمرة خير دليل على ذلك!! إلى جانب منع الدكتور عصام العريان شبه الدائم والدكتور عبد الحميد الغزالي وغيرهم.
ثانياً: صرّح رئيس كتلة النواب الديمقراطيين في تصريح نُشِرَ بجريدة الأهرام عدد الأربعاء 11/4/2007 أنه لم يلتقِ بالدكتور الكتاتني شخصياً وتحديداً ولم يطلب ذلك، وإنما التقاه ضمن الوفد الذي دُعِيَ للعَشَاء في منزل السفير الملحق بالسفارة، والحديث الذي دار بينه وبين الدكتور لم يكن طويلاً ولم يكن في مكانٍ مغلق ولم يتعلق بمصر وبالإخوان على الإطلاق وهو نفس ما أكده الدكتور سعد كما سنبين!!
ثالثاً: صرّح الدكتور الكتاتني في حوار لموقع الجماعة الرسمي (إخوان أون لاين) بتفاصيل اللقاء، ولم يكن فيه أي شيء من المذكور في الخبر، وكذلك صرّح لأكثر من وسيلة إعلام، آخر ما قرأته منها تصريحاته لجريدة الدستور اليومية، عدد الخميس 12/4/2007.
(قصدتُّ أن أبرز تصريحات النائب الأمريكي قبل تصريحات الدكتور الكتاتني).
رابعاً: هل من المعقول أن تضغط أمريكا على مصر في موضوع المعتقلين الإسلاميين وبخاصة من الإخوان؟! متى حدث ذلك من قبل؟ ولم نسمع للإدارة الأمريكية أي تعليق عن تحويل المدنيين – من الإخوان فقط – إلى محاكمات عسكرية (والتي تمت أعوام 1995، 1999، 2002، 2007 الأخيرة)، ولا اعتقال المئات منهم من منازلهم ونهب أموالهم وممتلكاتهم ومصوغات زوجاتهم والكثير من متعلقاتهم الشخصية دون إدراجها في أحراز رسمية، اللهم إلا تعليق السيدة "رايس" الذي قالت فيه: (نحن نقدر ما تفعله الحكومة المصرية بحق حركة الإخوان)!!، بل ولم نسمع منها أي تعليق – أقول لم نسمع أي تعليق ولا أقول لم نَرَ أي موقف عملي وفعال – عن ممارسات الحكومة مع المعارضين السياسيين عموماً والذي يتم معهم من بطش واعتقال وسحل في الشوارع وضرب بالهراوات وقنابل الغاز المسيلة للدموع؟! أفنسمع منها الآن فضلاً عن أن نرى مواقف إيجابية؟!!
وبما أن الإخوان الأكثر حظاً في هذه الممارسات، فهل يُعقل أن يصل مستوى غبائهم لطلب ذلك من هذه الإدارة التي تتبع تلك السياسة المذكورة مع المعارضين عامة ومعهم خاصة؟ وهي الجماعة الأولى في مهاجمة سياسة الإدارة الأمريكية في العالم؟
خامساً: وماذا عن حماس وموقف الإدارة الأمريكية منها، أليست جزءاً من حركة الإخوان المسلمين العالمية ولها نفس المرجعية؟ ألا تعلم أمريكا هذا؟ وهل تفصل بين الجماعة الأم ومعاملتها معها، وبين الحركة الفرعية بفلسطين التي تحاصرها وتحاربها؟!
سادساً: وحتى لو قال قائل أن هذه الحوارات كانت مع المعارضة الأمريكية وليست مع الإدارة (لأن الديمقراطيين هم المعارضة)، فهل تختلف المعارضة الأمريكية (الديمقراطيون) في موقفها مما يسمى بدولة إسرائيل عن الإدارة الحالية (الجمهوريون) وبالتالي من الإسلاميين الذين يمثلون المعارضة الأقوى في معظم الدول العربية والإسلامية ضد هذا الكيان وما يتبع وينتج عن ذلك من سياسات؟!
سابعاً: وإذا فرضنا فرضاً وهمياً أن السلطات المصرية سمحت لمرشد الإخوان بل وأعضاء مكتب الإرشاد بالسفر، بعد أن تفيق فجأة على حقوقهم كبشر في التنقل، فهل ستسمح الإدارة الأمريكية بدخولهم الكونجرس وتحدثهم فيه؟ بل هل ستعطيهم السفارة الأمريكية تأشيرة الدخول أساساً؟!
ثامناً: يثبت أحزاب المعارضة – المزعومة – بُعدُهُم عن الشعب دائماً كل البُعد، فأيُ حماية بعد كل الذي أوضحناه تتلقاها جماعة الإخوان من الأمريكان في مصر؟! وما هذا التعبير الساذج في هذا البيان؟ أي حماية يقصدونها وما هي دلائل ومظاهر هذه الحماية؟ فليعرضوها لنا، وماذا يمنعهم هم كأحزاب شرعية – كما يقولون – من المنافسة الشريفة والتلاحم مع الشعب؟ أين تضحياتهم ونضالهم من أجل الحريات؟!
الخبر لا يزيد عن كونه مساهمة في تشويه صورة الجماعة للرأي العام، وينطوي على الكثير من اللامنطقية واللاواقعية والسذاجة من وجهة نظري!
قال الله تعالى: " وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لايَعلَمون" – (يوسف – من الآية 21).

الاثنين، ٩ أبريل ٢٠٠٧

الحرية المسئولة

الحرية من المسائل التي يَكثُرُ الحديث عنها وخاصة بين النُخَب؛ الثقافية منها والسياسية على حدٍ سواء. وقد بدأ هذا الحديث ينشط ويزداد بعد الانتصارات التي حققتها الحركات الإسلامية في الانتخابات (وبخاصة في مصر وفلسطين)، حيث يزعم بعض هذه النخب أن هذه الحركات ستتخذ إجراءاتٍ من شأنها الحد من حرية التعبير والفن والثقافة، لتعيدَنا إلى زمن البادية، بينما نحن في زمن الفضائيات والاتصالات المفتوحة التي جعلت من العالم قرية صغيرة.
وتختلف هذه النخب على مفهوم الحرية، فمنهم من يراها الحرية الكاملة، دون قيد أو شرط، سواء حرية ثقافية أو أدبية أو نقدية أو فكرية أو فنية أو سياسية.
فهؤلاء مثلاً، لا مانع عندهم من نقد الذات الإلهية أو نقد الأنبياء والمرسلين أو الصحابة في أي عملٍ سواء ثقافي أو أدبي أو فني، بزعم أن ذلك من حرية الرأي. ولا مانع عندهم أيضاً من رسم الفتيات عاريات، بزعم أن ذلك مثله مثل علم التشريح! لأن جسد المرأة – كما يقول بعضهم – هو أفضل مثال على تناسب الأبعاد بين الأشكال المختلفة (دائرية ومستقيمة...إلخ) في شكل جمالي واقعي!!
ولا مانع أيضاً من تمثيل المشاهد الجنسية الصريحة، وخلع الملابس كاملة أمام الكاميرات، بزعم الواقعية في الحدث، وأن الفن هو الذي يغوص في أعماق النفس ورغباتها ويتلاحم مع أشخاص المجتمع وينقل الصورة الواقعية لهذه الرغبات وتلك الأشخاص! ولذلك نادَى هذا البعض بإلغاء الرقابة على المصنفات والأعمال الفنية بمختلف أشكالها وأنواعها، وينادون أيضاً بإلغاء أي رقابة لأي مؤسسة أخرى مثل رقابة الأزهر مثلاً على الأعمال التي تتعرض لشخصيات أو أحداث دينية، وكل ذلك مرجعه عندهم حرية الرأي والتعبير!
والغريب أن تجدَ بعض هؤلاء الذين ينادون بالحرية، لا يؤمنون بها للذين يختلفون معهم في الرؤية، وهذا فريق ثانٍ، مفهومه للحرية أنها حرية مشروطة، أي أن الحرية مكفولة لكل الناس في كل شيء ولكن بشرط ألا تتصادم مع رؤيتهم ولاتخالفها! وأيُّ اختلافٍ في الرأي هذا الذي يشترط الاتفاق؟! وياليتها كانت حرية مشروطة، ولكن بشروط ترضاها الأغلبية من المجتمع، أو بشروط من شأنها تحقيق السلام الاجتماعي.
فتجدهم مثلاً ينكرون على المرأة المحجبة محاولتها للاشتغال بالتليفزيون أو الإذاعة أو السياحة، وكأن الأصل أن يَفرِضَ هذا النوع من العمل لِبَاساً مُعَيَّناً على من يعمل فيه! والمفروض أن حرية الملبس – المطلقة من وجهة نظرهم – مكفولة للجميع، وأن معيار العمل من عدمِهِ هو الكفاءة.
وتجدهم أيضاً ينادون بحرية التعبير، وإذا عبَّرَ أحدُ مخالفيهم عن وجهَةِ َنظَرِهِ اتهموه بنشر الفكر الظلامي أو المتطرف، وطالَبوا بوقفه ومحاربته ومنعه من نشر فكره!
وفي فعلتهم هذه حَذَوْا حَذْو الإدارة الأمريكية، التي تتشدق بمناداتها بالحرية والديمقراطية والانتخابات النزيهة ومنع الاعتقالات السياسية لأصحاب الرأي من معارضي أي نظام في كل مكان ولكل شعب؛ وعندما عَلَّقَت على اعتقالات النظام المصري للإخوان المسلمين قالت: "نحن نقدر ما فعله النظام تجاه حركة الإخوان"، وكذا كان رد فعلها عندما أفرزت الانتخابات التشريعية الفلسطينية فوز حركة حماس – الإخوان المسلمون بفلسطين أيضاً – وتشكيلها للحكومة، فسعت لمحاصرتِها والشعبِ الفلسطينيِّ جزاءً له على اختياره الحر الذي شهد بنزاهته الجميع حتى حركة (فتح).
إن مفهوم الحرية الذي ننادي به إنما هو (الحرية المسئولة) وهي ببساطة أن الإنسانَ حرٌ مادامت هذه الحرية لم تؤذِ الآخرين، أو بمعنى آخر أنه يتحمل مسئولية الحفاظ على شعور الآخرين، وآرائهم ومعتقداتهم واحترامها حين يمارس حريته. وذلك بالطبع قد يعتبره البعض شرطاً أو قيداً على الحرية، إلا أننا إذا وافقنا على هذا الاعتبار، فإننا نقول أنه قيد أو شرط من شأنه الحفاظ على السلام الاجتماعي وتحقيق التعايش السلمي في المجتمع الواحد بين الآراء المختلفة والمدارس الفكرية المتباينة، وهذا التعايش هو الذي يجعل هناك وُداً بين المتخالفين، لذلك فإنه قديماً قيل: "الخلاف في الرأي، لا يفسد للوُد قضية".
وفي أهم قضية في الإسلام وهي الإيمان والكفر، يقول الحق سبحانه وتعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ في الأَرضِ كُلُهُم جَميعاً، أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكونُوا مُؤمِنين" (يونس 99)، ويقول سبحانه أيضاً: "لا إِكْرَاهَ في الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ، فَمَن يَكْفُرْ بِالطَاغُوتِ وَيُؤْمِنُ بِاللهِ فَقَد اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَاَم لَهَا وَاللهُ سَميعٌ عَليم" (البقرة 256).
وقد أقر الإسلام بالاختلاف وعَلَّمنا أن ذلك من سُنَنِ الحياة، فيقول الحق سبحانه: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاِحدَةً وَلايَزَالونَ مُخْتَلِفين" (هود 118).
إذن اختلاف الآراء ووجهات النظر من سنن هذه الحياة، وقد أقرت به الشرائع السماوية، والأبعد من ذلك أن الإسلام أقر حرية العقيدة والعبادة – بعد بيان الجزاء – وترك لكل إنسان بعد ذلك أن يختار طريقه طبقاً لقناعته.
وإذا طالبنا بهذه الحرية المسئولة، فإن ذلك منطقيٌّ، لأن ذلك أصلاً هو هدف القوانين والتشريعات، فإن الأصل أن الإنسان حر في ممارسة أي نشاط، مادام لا يخالف قانون هذا النشاط والقوانين المؤثرة عليه والمترتبة على مزاولته مثل هذا النشاط، وإلا تحول المجتمع إلى غابة، بزعم أن كل إنسان حر في تصرفاته، حرية مطلقة غير محدودة ولا مشروطة.
فالدعوة إلى احترام المعتقدات، وعدم تجريح الأشخاص والهيئات مهما اختُلِفَ معها في الرأي، واحترام العادات والتقاليد، واحترام الخصوصية الثقافية لكل مجتمع، ليست أبداً ضد الحرية، ولكنها إطار المسئولية الذي يحتم على كل شخصٍ أن يكون مسئولاً عن عدم إثارة أي فتنة أو ضغينة أو مشاكل حال عرضه لوجهة نظره – بأي أسلوب أو طريقة – مما يحقق التقدم الحقيقي للمجتمع لأن اختلاف الرأي في هذه الحالة لا يؤدي إلى النزاع ولكن يؤدي إلى إثراء الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية، وإعلاء قيمة احترام الآخَر.
يقول الله عزوجل: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِاْلِحْكمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَة وَجادِلْهُم بِاَّلتي هِيَ أَحْسَن إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدين" (النحل 125).

بداية كلامي

إلى نفسي أولاً...لأني أنشأت هذه المدونة لأعبر عما بداخلي، بغض النظر عن كثرة القارئين والزائرين...
إلى كل من أحب...من أهل وإخوة وأصدقاء ومعارف وأحبة...لأنهم منطقياً هم أول من سأدعوهم لمدونتي...
إلى كل محبي الحرية واالتعبير والكتابة...لأن فضاء مدونات الإنترنت يجمعنا...
أكتب لأخرج ما بداخلي من أفكار وتعليقات وتحليلات لمختلف الأحداث التي تجري من حولي في وطني مصر...
وبداية كلامي سلام...وهي رسالة سامية لذلك أقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخترت لمدونتي اسماً بالعامية يعبر تحديداً عما أنوي كتابته فيها: (اللي جوايا) = الذي بداخلي!!
ولكني لا أستطيع أن أحرم نفسي من الكتابة بالفصحى، فإني أحبها وأستريح في التعبير بها...
فاسمحوا لي أن أكتفي بالعنوان فقط أن يكون بالعامية...
أرحب بأي تعليق من أي زائر، وأستأذنه أن يكون في حدود الأدب والنقد البنّاء لإثراء الحوار.
أتمنى أن ننتفع جميعاً بتبادل الكلمات والأفكار والحوارات لما فيه خيرنا وخير بلدنا جميعاً مصر...
إمضاء/توقيع:
مهندس الكلمة